Etienne Dinet
حياة و أعمال الفنان ناصر الدين دينيه
ألفونس إتيان دينيه رسام و كاتب ذو شهرة عالمية و لد بباريس في 28 مارس1861 من عائلة بورجوازية،
اكتسب موهبة الرسم مسبقا حيث كان متفوقا فيها حين كان يدرس في ثانوية هنري IVبباريس.
و تحصل على شهادة البكالوريا ثم أدى الخدمة الوطنية في نرمونديا.
1880:إلتحق بمدرسة الفنون الجميلة ثم بورشة دوقالون.
1881-1885:قضى أربع سنوات في أكاديمية جوليان حيث تتلمذ على يد ويليام بوقرو و توني روبر فلوري.
1884: عرض في صالون الفنانين الفرنسيين فتحصل على ميدالية قصر الصناعات و في نفس السنة اقترحت عليه رحلة للجنوب الجزائري للبحث عن فراشة نادرة و عند زيارته للجنوب تأثر بضوء الصحراء فقرر العودة إليها مرة أخرى.
1885: زار الصحراء الجزائرية للمرة الثانية مرورا بـ:الأغواط ، ورقلة ، سدراتة ، بوسعادة و المسيلة حيث رسم عدة لوحات منها.
1889: تعرف على الشاب البوسعادي سليمان بن براهيم باعامر الذي اصبح صديقه و مرشده فكبرت بينهما الصداقة لفترة دامت اربعين عاما.
1893: أسس جمعية الفنانين الفرنسيين المستشرقين.
1895: قرر ان تكون أعماله الفنية مستوحات من الجزائر.
1897: أسس جمعية الفنانين الجزائريين المستشرقين.
1900: تحصل على الميدالية الذهبية في المعرض الدولي للفنون الجميلة.
1901: تحصل على الميدالية الذهبية في المعرض الدولي للفنون الجميلة.
1905: في هذه السنة استقر الفنان دينيه نهائيا في مدينة بوسعادة و كان يقوم بزياراته لباريس لاقامة معارض هناك كل سنة.
1905: تحصل على شهادة شرفية من طرف جمعية الفنون سان وواز.
1913: اعتنق الإسلام
عن دراية و اقتناع و نطق الشهادة أمام مفتي الجزائر العاصمة و سمي بناصر
الدين دينيه و قال أيضا: إن اعتناقي للإسلام ليس وليد الصدفة و إنما كان
عن دراية و اقتناع و بعد دراسة تاريخية و دينية معمقة لجميع الديانات
لفترة طويلة.
1914: في فترة الحرب العالمية الأولى جال مناطق البحر الأبيض المتوسط من اجل تسوية العلاقة بين الجزائر و فرنسا.
1925: ساهم في إنشاء الاتحاد الفني لإفريقيا الشمالية.
1926: دشن مسجد باريس حيث كان صاحب الفكرة و مؤسس المسجد.
1929: قرر ناصر الدين
أن يكمل أركان الإسلام بزيارته للبقاع المقدسة و كان ذلك في 7 افريل 1929
و سمي بالحاج ناصر الدين و بعد عودته من مكة المكرمة سقط اثر نوبة مرضية
ألزمته الفراش فنقل إلى مستشفى باريس حيث توفي هناك يوم 24 ديسمبر 1929
فنقل جثمانه إلى المقبرة الإسلامية ببوسعادة فكان تشييع جنازته في 12
جانفي 1930 من قبل الآلاف من محبيه فدفن تحت قبة بيضاء ببوسعادة طبقا
لوصيته.
أعماله الفنية و الأدبية
أعماله الفنية: له اكثر من عمل فني متواجد في مختلف أروقة العالم كطوكيو ، سيدني باريس ، الجزائر، المملكة العربية السعودية...إلخ.
و كانت أغلب أعماله مستوحاة من الحياة اليومية للجزائريين و البوسعاديين
على وشك الخصوص وله منها عدة مواضيع مختلفة.
أعماله الأدبية: إلتحق الفنان ناصر الدين دينيه بمدرسة لتعليم اللغة العربية
و كذلك تتلمذ على يد الطالب (سي احمد الصغير) مدرس القرآن
و الذي يدعى– بابا احمد البوسعادي- فاصبح ناصر الدين دينيه يكتب ويقرأ اللغة العربية جيدا.
و من أعماله الأدبية نجد:
شعر عنتر - ربيع القلوب - آفات الألوان - لعبة الأضواء - السراب -
نظرة الغرب للشرق - الصحراء - لوحات الحياة العربية -
خضرة - حياة محمد صلى الله عليه و سلم و طبع له كتاب الحج إلى بيت الله الحرام.
يعتبر الفنان التشكيلي الفرنسي إتيان دينيه أشهر من أسلم في الجزائر من الشخصيات الثقافية ذات البعد العالمي. فهو من أحسن فناني القرن الماضي، وجابت معارضه كل أنحاء العالم.
وقد تميزت أعماله بنقل البيئة الجزائرية البسيطة خاصة الصحراوية منها إلى كل مكان عبر لوحات زيتية غاية في الجمال. وقد عاشر دينيه أهل بلدة «بوسعادة» الواقعة على بوابة الصحراء على نحو 250 كلم جنوب شرق الجزائر، وعاش معهم سنوات وتمكن من نسج علاقات حولته إلى أحد سكان المنطقة. ومن شدة تأثره بالبيئة الجزائرية قرر أن يتحول في جميع تفاصيله إلى واحد من الأهالي. فنطق بالشهادتين في عام 1927 وسمى نفسه » ناصر الدين دينيه» وحول ريشته إلى اختيار الموضوعات ذات الدلالة الدينية ليعبر عنها فأنجز رائعته «طالب الجامع» أي معلم القرآن في المسجد. وفي 1929 أدى فريضة الحج ليكمل الأركان الخمسة، وأنجز بعد ذلك لوحات صورت الحجيج والبقاع المقدسة.
واللوحة التي نشاهدها، هي ثمرة تلك التجربة الفذة للفنان نصر الدين دينيه ، وهي من أكثر اللوحات تعبيرا عن خصائصه النفسية والوجدانية واتجاهه الروحي ، حيث تتخذ موضوع الصلاة كقيمة حضارية وثقافية ، استطاعت في يوم ما أن تزيح عن الفنان ، ذلك الحاجز الكبير بين الثقافات ، وتريه الأبعاد الكبيرة لدين كالإسلام . ولذا سنقوم بتحليل هذه اللوحة من هذا المنطلق ، أي اعتبار اللوحة تجسيدا لتلك الرحلة العظيمة ، رحلة الإيمان والضمأ إلى الله .هذا وسنقوم بعملية التحليل وفق طريقتين : الطريقة الأفقية التي ستبرز لنا الزمن الثقافي للحضارة، والطريقة العمودية التي ستبرز الزمن الروحي
فأفقيا: نلاحظ في اللوحة ذلك الالتحام الثقافي بين الأجيال ، حيث تتوحد الأجيال الثلاثة : الشباب والكهولة والشيخوخة في صف واحد ، لتبرز الاستمرار الثقافي المتمثل في الوجود جنبا إلى جنب إلى حد الالتصاق ، كما نلاحظ الشيخوخة تواجه الشباب ، الشيخوخة البعيدة والمنزوية نوعا ما والتي لا تبرز بشكل كامل ، بعكس الشباب والكهولة اللتين تظفران بمساحة واسعة من اللوحة ، للتأكيد على قوة الثقافة وحيويتها التي لا تزال مستمرة رغم الاستعمار ، فكأن الفنان هنا ما زال يحمل الأمل في مستقبل واعد للثقافة التي اختار الانتماء إليها طواعية ، بعكس الشيخ الذي يمثل الماضي المطأطئ رأسه إلى الأرض وإلى يديه . وكذلك بالنسبة للألوان ، إذ تأخذ في حالة الشباب والكهولة صفة العنفوان والقوة ، وقد اختار الفنان ، كما في معظم لوحاته ، اللون البني الغامق الذي هو لون الأرض الخصبة والمتفاعلة مع الإنسان ، أما في حالة الشيخ فإنها تأخذ البني الفاتح ، الذي يعبر عن الضعف ودنو الأجل ، غير أن هذا كله لا ينقص من مرحلة الشيخوخة أو يحد من دورها ، إذا هي كما قلنا استمرار متواصل ونهر متدفق ، لا يني يهدر ويشق طريقه في الزمان . وهذا ما يدل عليه جلوس الشاب ملاصقا للشيخ ، إذ الشاب هو الأقرب فكريا لتمثل حكمة الشيخوخة والاتصال بها ، وليس الكهولة ، فالترتيب هنا ترتيب ثقافي قبل أن يكون زمانيا ، والشاب هو الأقرب للشيخ من حيث التواصل وليس الكهل .
أما عموديا : فإن اللوحة تظهر لنا تعلق الأرض بالسماء ، واتصالها بها ، في حالة من التواضع الشديد والانكسار أمام الله ، بدءا بالبرانس التي تأخذ نفس الخشوع الذي للأجساد ،بانثناءاتها الكثيرة وهي تلامس الأرض بكل تواضع ، ملتصقة ببعضها لتدلنا على الأصل الإنساني المشترك المتمثل في الأرض ، ثم سرعان ما يزداد هذا الخشوع كلما ارتقينا نحو الأعلى ونحو السماء ، ليأخذ صفة أكثر تنوعا، حيث نجد أولا الأيدي المرفوعة نحو السماء والتي انزاحت عنها أكمامها ، لتعير بذلك عن حالة التجرد التي هي فيها ، ولتصبح عارية أمام الله وهي تدعوه، ثم الوجوه التي تتكثف فيها حالة الخشوع والانكسار إلى حدودها القصوى ، ليظهر ذلك كله في الأعين الصافية الخاشعة التي ترجو الرحمة والغفران .وكأن الفنان أراد منا أن نواصل عملية الارتقاء هذه ، بدءا من الأرض الطينية ، إلى اللباس ، إلى الأيدي ، إلى الوجه المفعم بالخشوع ، إلى الأعين وهي تتجه إلى السماء ، ليبرهن لنا على أن ليس فوق ذلك كله إلا الله .وقد تجلى بالاستجابة لهذه الكائنات الخاشعة المستجدية ، عبر ضوء الشمس وقد لامس باطن الأيدي دون ظهورها ، وكأن الله يستجيب لها في انفس اللحظة التي تكون فيها متفاعلة معه ومتصاعدة إليه .
غير أن هناك قيما أخرى هي من صميم الثقافة الإسلامية ، أراد الفنان إبرازها بصورة غير مباشرة في هذه العلاقة بين السماء والأرض ، أو بين الله والإنسان ، وهي:
- الخوف والرجاء : لأن الأعين في اللوحة لا تتجه إلى السماء مباشرة ، بل تنظر إلى الأمام المتجه قليلا إلى أسفل أو أعلى، لتبرز لنا أنها تعرف الله حقا المعرفة ، لكنها في نفس الوقت تستحيي منه وتخاف منه ، فلا تستطيع مواجهته مباشرة ، وهذا ما يعبر عنه في الإسلام بالخوف والرجاء ، وهي حالة مهمة ، تلتقي فيها السماء بالأرض ، والله بالإنسان ، ليصبح التفاعل على أشده .
- الزهد : وهو ما يبرز في حالة التضرع المقترنة مع الدعاء، والتي تنتشر في سائر اللوحة ، فهي لا ترتبط بأي من مغريات الدنيا أو زخرفها ، بل هي متجهة إلى تطهير النفس والذات من أخطائها ، في حالة من الانكسار الشديد ، والاستجداء العميق الذي يستحيل أن يكون موضوعه هو الدنيا ، خاصة وأن المكان الذي تقع فيه اللوحة مكان بعيد عن الدنيا تماما ، مكان في العراء يرمز إلى التجرد لله ، والفنان نفسه ارتبط بالعراء بصفة نهائية في سائر لوحاته ، كما ارتبط بالثقافة ، لأنهما رمزان متحدان للتجرد لله ، وهذا ما ترينا إياه خلفية اللوحة التي تظهر البنايات الطينية التي تمثل الاستقرار الدنيوي ، مبتعدة كثيرا عن مكان الصلاة ، متوارية خلفه ، وقد تركت مكانها لما هو أهم منها بكثير ... الآخرة ونشدان المطلق .
- التقوى : حيث ، وكما قلنا سابقا بالنسبة للاستمرار الثقافي للأجيال ، نلاحظ هنا أن الأجيال الثلاثة ، وهي الشيخ والشاب والكهل ، لا تمثل الاستمرار في علاقتها بالسماء ، بقدر ما تمثل الفناء فيها ، فما الإنسان في نهاية المطاف بالنسبة للسماء ، إلا وجودا سرعان ما ينتهي دوره ويرحل إلى عالم ربه ، و الشيخ هنا هو الأقرب إلى هذه المرحلة ، باعتبار ألوان الصفاء التي تعتريه ، وباعتبار قربه من الأرض ، حيث نلاحظ طأطأته نحوها ونحو يديه ، وكأنه يكاد يلتصق بهما ، للتعبير عن فراغ أمله من الدنيا وإحساسه بقرب الرحيل ، بعكس الشاب والكهل ، الذين يمثل امتداد أيديهما ورحابة المساحة التي يتركانها عن الأمل في الله والشوق إليه .وهذا كله من صميم ثقافتنا الإسلامية التي تزخر بهذه المعاني .
- الغيب : لا تظهر السماء في اللوحة مطلقا، بل تظهر في سائر اللوحة ، من خلال الوجوه والحركات والانفعالات ... فهي موجودة ، لكنها تتستر وراء ما تحدثه من انفعال وخشوع ، وهذا من صميم الثقافة الإسلامية التي تقوم على الإيمان بالغيب الذي لا يظهر عيانا ، وإنما يبرز من خلال ما يقوم به من دور نلاحظ آثاره في النفس والثقافة ، والفنان وعى هذا جيدا واستطاع إبرازه من خلال توريته لكثير مما كان قادرا على إبرازه ، إلا أنه اختار أن يجعله موحيا ، ليتناغم مع المنطلق الثقافي الذي يعبر من خلاله عن هذه الثقافة .
- التقرب : إن اللوحة لا تصف المصلين وهم يؤدون الصلاة ، وإنما تبرزهم بعد أداء الصلاة ،حيث جلسوا يدعون الله ، وهذا له دلالته الثقافية والدينية المهمة جدا ، حيث جاء في الحديث الشريف أن الملائكة تصلي على المصلى ما دام جالسا في مكانه الذي صلى فيه ، مما يدل على العمق الإيماني المتجذر في الأشخاص ، إذا لم تكفهم الصلاة لوحدها ، فاختاروا التقرب إلى الله ، والزيادة في العبادة ، وهو ما يعرف في الإسلام بالنافلة ، كما في الحديث القدسي المشهور ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال الله تعالى
) من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ،وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته ،كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءلته (( (3) وهذا كله ، إبراز لقيمة التقرب من الله والسعي إليه . يبقى أن نقول أخيرا إن قدرة الفن على إبراز القيم الدينية والروحية للإسلام كبيرة جدا ، أكبر مما نتخيله ، وقد استطاع الفنان نصر الدين دينيه منذ أكثر من قرن من الزمان أن يتفاعل باقتدار مع الإسلام ويبرز قيمه الكبيرة والمعطاءة ، وربما هذا ما جعله يقبل على الإسلام ويتخذه دينا ومنهجا في حياته ، لأن الإسلام يخاطب أول ما يخاطب طاقة الإنسان على الإحساس وإدراك القيم والمعاني العميقة التي تنبث في سائر تعاليمه وتشريعاته .